قضية غياب دور وسائل الإعلام في دعم المنتج والصناعات الوطنية

صمت الشاشات والأقلام وغياب الإعلام اليمني عن دعم المنتج الوطني في الوقت الذي تُواجه فيه اليمن تحديات اقتصادية جمة، وتتزايد فيه الحاجة لدعم كل ما هو محلي لتعزيز الصمود وتحقيق الاكتفاء الذاتي، يبرز تساؤلٌ كبيرٌ حول الدور الغائب أو المغيب لوسائل الإعلام اليمنية في دعم المنتج والصناعات الوطنية.
بينما تُعتبر وسائل الإعلام في أي مجتمع شريكاً استراتيجياً في التنمية، تبدو الساحة الإعلامية اليمنية بمعظمها وكأنها في عزلة عن هذا الملف الحيوي، تاركةً المنتج الوطني يتيمًا في معركة التسويق وبناء الوعي المجتمعي.
المشهد الإعلامي: أولوية غائبة
من تلفزيونات وإذاعات إلى صحف ومواقع إلكترونية، يلاحظ المتابع للمشهد الإعلامي اليمني ضعفاً لافتاً في التركيز على المنتج المحلي. فبرامج التنمية الاقتصادية المخصصة للصناعة والزراعة الوطنية نادرة، والمساحات الممنوحة للمنتجات المحلية محدودة وحتى المحتوى التحريري الذي يسلط الضوء على قصص نجاح الصناعيين والمزارعين اليمنيين يكاد يكون شبه معدوم.
هذا الغياب لا يقتصر على قنوات أو منصات معينة، بل هو ظاهرة عامة. فالأخبار السياسية والصراعات تستحوذ على الجزء الأكبر من التغطية، بينما تظل قضايا الاقتصاد والتنمية، وتحديداً دعم المنتج الوطني، في ذيل الأولويات. هذا التهميش يترك فراغاً كبيراً في المشهد، ويُفوت فرصة ذهبية للإعلام ليكون قاطرة للتنمية.
لماذا هذا الغياب؟ تحديات ومسببات
تتعدد الأسباب المحتملة لغياب هذا الدور أهمها ..
ضعف الوعي بأهمية الدور:
قد لا يدرك الكثير من القائمين على الإعلام حجم المسؤولية المناطة بهم في دعم الاقتصاد الوطني، أو يرون أن دورهم يقتصر على التغطية السياسية أو الاجتماعية البحتة.
قلة الكوادر المتخصصة:
تفتقر بعض وسائل الإعلام للكوادر الصحفية والاقتصادية القادرة على تحليل قضايا الإنتاج الوطني وتقديمها بشكل جذاب ومؤثر للجمهور.
التركيز على الربح السريع:
تفضل بعض القنوات التركيز على الإعلانات ذات العائد المادي المرتفع، حتى لو كانت لمنتجات مستوردة، بدلاً من تخصيص مساحات لدعم المنتج المحلي الذي قد لا يمتلك ميزانيات إعلانية ضخمة.
الأجندات التحريرية:
تفرض بعض الأجندات التحريرية أو السياسية قيوداً على مساحة التغطية الاقتصادية، أو توجّهها نحو قضايا محددة.
الدور المناط بالإعلام: قوة بناء لا تدمير
إن الدور الحقيقي لوسائل الإعلام في دعم المنتج الوطني لا يقتصر على الإعلان التجاري، بل يتجاوز ذلك ليشمل:
بناء الثقة والوعي: تعزيز ثقة المستهلك اليمني بالمنتج الوطني، وتغيير النظرة النمطية السلبية التي قد تكون تكونت لدى البعض.
الترويج الإيجابي: تسليط الضوء على قصص نجاح الصناعيين والمزارعين اليمنيين، وإبراز جودة منتجاتهم، ومدى مساهمتها في الاقتصاد وتوفير فرص العمل.
الوساطة والتسويق: ربط المنتجين بالمستهلكين، وعرض أماكن توافر المنتج، وتشجيع المبادرات التي تدعم الشراء المحلي.
المساهمة في تحسين الجودة: من خلال نقل ملاحظات المستهلكين وتقديم النقد البناء الذي يهدف إلى تطوير المنتج.
حماية المنتج الوطني: من خلال كشف أي ممارسات ضارة (مثل الإغراق أو الغش التجاري) التي تؤثر سلباً على الصناعات المحلية.
الدعوة للسياسات الداعمة: الضغط على الجهات الرسمية لسنّ قوانين وتشريعات تدعم المنتج الوطني وتحميه.
نحو إعلام واعٍ ومسؤول: دعوة للنهوض
إن المرحلة الراهنة تتطلب من وسائل الإعلام اليمنية مراجعة شاملة لأولوياتها التحريرية والتجارية.
يجب أن تُدرك أن دعم المنتج الوطني ليس مجرد مهمة إضافية، بل هو جزء أصيل من مسؤوليتها المجتمعية والوطنية، خصوصاً في ظل الظروف التي يمر بها اليمن.
تفعيل هذا الدور يتطلب:
إطلاق برامج وحملات إعلامية متخصصة عن الصناعات والزراعات الوطنية.
تخصيص مساحات للمنتجات المحلية، خاصة للصناعات الناشئة والصغيرة.

تدريب الكوادر الإعلامية على التغطية الاقتصادية والتنموية.
بناء شراكات بين وسائل الإعلام والجهات المعنية (مثل وزارة الصناعة، وزارة الزراعة، الغرف التجارية، الجمعيات التعاونية) لوضع خطط إعلامية متكاملة لدعم المنتج الوطني.
إن صمت الشاشات والأقلام عن دعم المنتج الوطني هو “غرامة” تُدفع من اقتصاد الوطن ومستقبل أبنائه. وحان الوقت لتُدرك وسائل الإعلام أن “لا ملك” (لا سيادة اقتصادية) لليمن إلا إذا أخذت على عاتقها دورها الريادي في تعزيز الثقة بكل ما هو يمني، لتصبح شريكاً حقيقياً في بناء وتطوير الصناعات والزراعات الوطنية.

اخبار ذات صلة